الحكيم...
تحت أغصان أرز القموعة، جلس بصمتٍ من وُلد من الأرض... منتظراً الصبح ليطلّ من خلف الجبال... وكان قد قضى كلّ الليل سهراناً، متأمّلاً، مصليّاً... وكانت نظراته تتبّع بسرعةٍ الخيوط المتقدمة من النور، مضيئةً الدروب والمدائن بلونٍ أزرق ساحر قبل ظهور الشمس... كان جذلاً، وقلبه يتراقص مع حفيف الأشجار... السيمفونية الأجمل، التي تؤلفها وتلحنها وتعزفها نسمات الصباح الباردة في كل يوم...
كلّ لحظةٍ، كان لبنان تحت ناظريه، من شماله إلى أقصى جنوبه...
صومعته الأرض كلّها... هيكله كان قلبه... وروحه كانت تمزج يومياً مع قطرات الندى التي تكسو كلّ شيءٍ في الليل، وتحملها النسمات في النهار لتزور كلّ مكان...
في صغره تمنى أمنية، وهو أن يكون في يده كلّ دواء ليشفي كلّ جرحٍ ومرض في الناس... فكان له ما أراد لأنّه طلبه بإيمان... وأهم قدرة حصل عليها كانت أن يرتفع فوق الأمور الأرضية... فيرى من فوق كلّ سببٍ لمشكلة... ويعرف كلّ جهات التقصير دون اتهام جهةٍ واحدة...
تعجبّ الناس كثيراً عندما تعرفوا عليه... وتعجبوا أكثر عندما عرفوا أنّه يعرف عنهم أكثر من أنفسهم...
كم من يومٍ أتوا إليه باكين... وفي كلّ مرّة كانت نظراته كلّها حنانٌ وأخوّة... وكم من مرّة بكى معهم... وكان دائماً يقول: أنظروا إلى فوق... لا تخافوا... الشمس لا تزال هناك وإن حجبتها الغيوم...
لقد عرف أن الخوف في القلوب هو سبب كلّ سوء... وعرف أنّ لا علاج للخوف إلّا الإيمان والرجاء...
رغم كلّ شيءٍ كان متواضعاً... ودوماً يردد الكلمات: أنا هنا لأخدم لا لأُخدم... أنا لست شيئاً، بل اللّه هو كلّ شيء... أنا لا أجمع لنفسي شيئاً كما لا أدّعي أنّي أيّ شيء... لا تقولوا أنّي عظيم، فأنا أقلّ المخلوقات... لا تقولوا لي شكراً، بل الشكر كلّ الشكر للّه...
وكان طعامه ممّا يحمله له أخواته بنات الطبيعة من خيرات الفصول الأربع... شرابه من الثلج الناصع...
من يسمع كلّ هذا عنه يخال للوهلة الأولى أنّه وحيد... وكيف يمكن ذلك إن كان الناس لا يتركوه إلّا لساعاتٍ قليلةٍ في اليوم... فالكلّ يريد أن يسمع منه... يعرف رأيه في مسائل الحياة... يتعرّف إليه...
كانوا يثقون به... فأغلبهم كانوا يروه بينما يتكلّمون معه... مصلّياً دوماً إلى اللّه عزّ وجل لكي يعطيه في كلّ حينٍ الرأي السديد...
وكان دوماً يقول: أنا ككلّ الناس أخطأ... أنا ككلّ الناس ليست لي راحةٌ إلّا في حضن اللّه... أنا ككلّ الناس فقيرٌ محتاجٌ... فليكن ربي في عوني وعون الجميع...
أطلق عليه البعض اسم الحكيم... البعض اسم الحلّال... البعض اسم الناسك... البعض اسم الجندي والبعض الآخر اسم الأخ الصغير... وأمّا هو فكان يحب التسمية الأخيرة...
سلّم حياته كلّها للّه... وشغفه الوحيد كانت الكلمة... والأحبّ على قلبه كان جمع الطيب على أنواعه... فمن كان يزوره ويعود إلّا وذاكرته سكرانةٌ من ماء الورد والزهر والبخور وزيت الزيتون...
د. ساسين ميشال النبّوت
كلّ لحظةٍ، كان لبنان تحت ناظريه، من شماله إلى أقصى جنوبه...
صومعته الأرض كلّها... هيكله كان قلبه... وروحه كانت تمزج يومياً مع قطرات الندى التي تكسو كلّ شيءٍ في الليل، وتحملها النسمات في النهار لتزور كلّ مكان...
في صغره تمنى أمنية، وهو أن يكون في يده كلّ دواء ليشفي كلّ جرحٍ ومرض في الناس... فكان له ما أراد لأنّه طلبه بإيمان... وأهم قدرة حصل عليها كانت أن يرتفع فوق الأمور الأرضية... فيرى من فوق كلّ سببٍ لمشكلة... ويعرف كلّ جهات التقصير دون اتهام جهةٍ واحدة...
تعجبّ الناس كثيراً عندما تعرفوا عليه... وتعجبوا أكثر عندما عرفوا أنّه يعرف عنهم أكثر من أنفسهم...
كم من يومٍ أتوا إليه باكين... وفي كلّ مرّة كانت نظراته كلّها حنانٌ وأخوّة... وكم من مرّة بكى معهم... وكان دائماً يقول: أنظروا إلى فوق... لا تخافوا... الشمس لا تزال هناك وإن حجبتها الغيوم...
لقد عرف أن الخوف في القلوب هو سبب كلّ سوء... وعرف أنّ لا علاج للخوف إلّا الإيمان والرجاء...
رغم كلّ شيءٍ كان متواضعاً... ودوماً يردد الكلمات: أنا هنا لأخدم لا لأُخدم... أنا لست شيئاً، بل اللّه هو كلّ شيء... أنا لا أجمع لنفسي شيئاً كما لا أدّعي أنّي أيّ شيء... لا تقولوا أنّي عظيم، فأنا أقلّ المخلوقات... لا تقولوا لي شكراً، بل الشكر كلّ الشكر للّه...
وكان طعامه ممّا يحمله له أخواته بنات الطبيعة من خيرات الفصول الأربع... شرابه من الثلج الناصع...
من يسمع كلّ هذا عنه يخال للوهلة الأولى أنّه وحيد... وكيف يمكن ذلك إن كان الناس لا يتركوه إلّا لساعاتٍ قليلةٍ في اليوم... فالكلّ يريد أن يسمع منه... يعرف رأيه في مسائل الحياة... يتعرّف إليه...
كانوا يثقون به... فأغلبهم كانوا يروه بينما يتكلّمون معه... مصلّياً دوماً إلى اللّه عزّ وجل لكي يعطيه في كلّ حينٍ الرأي السديد...
وكان دوماً يقول: أنا ككلّ الناس أخطأ... أنا ككلّ الناس ليست لي راحةٌ إلّا في حضن اللّه... أنا ككلّ الناس فقيرٌ محتاجٌ... فليكن ربي في عوني وعون الجميع...
أطلق عليه البعض اسم الحكيم... البعض اسم الحلّال... البعض اسم الناسك... البعض اسم الجندي والبعض الآخر اسم الأخ الصغير... وأمّا هو فكان يحب التسمية الأخيرة...
سلّم حياته كلّها للّه... وشغفه الوحيد كانت الكلمة... والأحبّ على قلبه كان جمع الطيب على أنواعه... فمن كان يزوره ويعود إلّا وذاكرته سكرانةٌ من ماء الورد والزهر والبخور وزيت الزيتون...
د. ساسين ميشال النبّوت